كينيا- ثورة الضرائب، جيل جديد يواجه الديون وقمع السلطة.

شهدت كينيا في الشهر الفائت احتدامًا لموجة من الاحتجاجات الشعبية الغاضبة، والتي انطلقت شرارتها الأولى نتيجة لمقترحات حكومية لاقت استياءً واسعًا بشأن زيادات ضريبية جديدة. سرعان ما تحولت هذه الحركة المتنامية إلى مطالبة أوسع نطاقًا بالحكم الرشيد وتحقيق المساءلة في شتى أرجاء الدولة.
بدأت هذه التظاهرات في تاريخ الثامن عشر من شهر يونيو/حزيران الماضي، واتسمت بالسلمية النسبية طوال أسبوع كامل. إلا أنه في وقت مبكر من بعد ظهر يوم الخامس والعشرين من يونيو/حزيران، شهدت الأحداث منعطفًا خطيرًا نحو العنف المؤسف. إذ تمكن عدد من المتظاهرين الغاضبين من اختراق الحواجز الأمنية التي وضعتها الشرطة، واقتحموا حرم البرلمان الكيني. لم يكتفوا بذلك، بل أقدموا على إشعال النيران في أجزاء مختلفة من المبنى، بالإضافة إلى تدمير مكاتب المشرّعين ونهب الممتلكات العامة والخاصة.
من جانبها، ردت الشرطة الكينية بقسوة مفرطة، ما يعكس سمعتها السيئة في التعامل بعنف مع الاحتجاجات. فقد تعرضت لانتقادات حادة في الأيام الأخيرة؛ بسبب استخدامها المفرط للغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين، وضربهم بشكل وحشي بالهراوات، وإطلاق الرصاص الحي عليهم بشكل مباشر. وفي السادس والعشرين من شهر يونيو/حزيران، أفادت اللجنة الوطنية الكينية لحقوق الإنسان، ببالغ الأسى، عن مقتل تسعة وثلاثين شخصًا على الأقل خلال هذه الاحتجاجات منذ بدايتها.
في نهاية المطاف، رضخ الرئيس وليام روتو لمطالب المتظاهرين، بعد أن أبدى في البداية ترددًا واضحًا بين اتهام المحتجين بأنهم "مختطفون" من قبل عناصر إجرامية، والوعد بإجراء محادثات بناءة مع المشاركين في الاحتجاجات. وهكذا، وافق في السادس والعشرين من يونيو/حزيران على تأجيل العمل بالتشريع المثير للجدل، والذي عُرف باسم مشروع قانون المالية لعام 2024. وعلى الرغم من تحقيق هذا الفوز غير المتوقع، تعهد المتظاهرون الغاضبون بالمضي قدمًا في حراكهم، ونظموا مظاهرات جديدة في السابع والعشرين من يونيو/حزيران وفي الثاني من شهر يوليو/تموز. كما أطلقوا برنامجًا للعمل الميداني في الشوارع، والذي تُوج في السابع من يوليو/تموز بـ "وقفة احتجاجية وطنية" تكريمًا لأرواح الشهداء الذين قُتلوا على يد قوات الشرطة.
على الرغم من أن مشروع قانون المالية كان بمثابة الشرارة التي أشعلت فتيل الاحتجاجات، فإن المظاهرات كانت مدفوعة أيضًا بمجموعة أوسع من المظالم المتراكمة – والتي تشبه إلى حد كبير ما يعاني منه جلّ العرب – بشأن التفاوت الصارخ في توزيع الثروة، ووطأة الديون المتزايدة على كاهل النظام المالي الدولي، وارتفاع معدلات البطالة بين شباب الطبقة الوسطى، وتفشّي الفقر المدقع، بالإضافة إلى الطريقة التي تُدار بها شؤون الحكم في كينيا، بما في ذلك الانتقادات اللاذعة للمسؤولين ذوي الرواتب المرتفعة في السلطة التنفيذية والبرلمان، والذين أُدينوا بسبب عيشهم في رفاهية وبذخ، بينما يفرضون إجراءات تقشفية قاسية على شعوبهم.
رسائل خمس
- الأولى: جيل زد.. نحن لسنا آباءنا
أثارت التشريعات الضريبية المقترحة غضب جيل جديد من الكينيين الشباب، والذين صوت العديد منهم لصالح روتو قبل عامين فقط، عندما وعدهم بخلق مليون فرصة عمل جديدة. لكنهم يشعرون الآن بمرارة شديدة، وأن الوعود التي قُطعت لهم قد تبخرت، وأن مستقبلهم قد سُرق منهم.
هؤلاء الشباب، الذين يصفون أنفسهم بفخر بأنهم أعضاء في "الجيل Z" – وهم الأفراد الذين ولدوا تقريبًا بين أواخر التسعينيات من القرن الماضي وأوائل عام 2010 – يعكسون اتجاهًا واسعًا ناشئًا في أجزاء مختلفة من المنطقة العربية، وهو ما تجلى بوضوح في ظاهرة التأييد الواسع النطاق للقضية الفلسطينية.
كينيا – شأنها شأن بقية البلدان العربية – دولة فتية ذات أغلبية ساحقة من الشباب. إذ أن ما يقرب من 70% من سكانها البالغ عددهم 54 مليون نسمة هم تحت سن الرابعة والثلاثين عامًا. ولكن، كما أشارت منظمة العمل الدولية في تقرير صدر عام 2019، فإن أربعة من كل عشرة أشخاص في سن العمل يعانون من البطالة. يُعد الشباب الكينيون من بين الأكثر تعليمًا في القارة الأفريقية، ولكن معدل النمو الاقتصادي البالغ 5% في البلاد لم يتمكن من توفير وفرة في الوظائف التي تتطلب مهارات عالية.
هؤلاء الشباب يشكلون حركات جديدة وجريئة ومبتكرة. ليس لديهم قادة تقليديون، ويتجنبون الأحزاب السياسية التقليدية. فعلى الرغم من أن المتظاهرين لا يملكون زعامة واضحة، فإنهم ينأون بأنفسهم عن جميع الساسة المخضرمين. إنهم يتجاوزون الانقسامات العرقية والطائفية، ويصطفون على أساس المصالح الاجتماعية المشتركة والقضايا التي تهمهم. إنهم ينظمون أنفسهم تلقائيًا عبر الإنترنت، ويعقدون مسيرات افتراضية ضخمة. ينزلون إلى الشوارع بلا خوف، ويبثون تحديهم عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، بينما يحيط بهم الغاز المسيل للدموع.
وبرغم أن الشباب الكينيين كانوا في قلب الاحتجاجات، فإنهم يحظون بدعم شريحة عريضة من المجتمع الكيني، بما في ذلك الكنائس التي كانت تشكل جزءًا أساسيًا من القاعدة السياسية للرئيس روتو.
- الثانية: محاربو لوحة المفاتيح
كانت الاحتجاجات بمثابة لحظة فاصلة للنشاط الرقمي المكثف. فقد شهدت مشاركة واسعة النطاق من الشباب الذين يستخدمون وسائل الإعلام الرقمية المتنوعة لتنظيم معارضتهم والتعبير عنها بشتى الطرق. إنهم يتميزون بالبراعة الرقمية العالية والوعي الاجتماعي المتزايد. لقد أنشأوا هذه الحركة الشعبية العضوية المتنامية التي استخدمت منصات التواصل، مثل تيك توك، لحشد الجهود وتنسيقها بسرعة فائقة.
كان الذكاء الاصطناعي من بين التقنيات الحديثة التي تم استخدامها لإنشاء الصور والأغاني ومقاطع الفيديو المؤثرة التي تعمل على تضخيم رسائل الحركة، والوصول إلى جمهور أوسع. كما استُخدم أيضًا للمساعدة في تثقيف جماهير عريضة حول مشروع القانون المثير للجدل. على سبيل المثال، أنشأ المطورون نماذج GPT (المحولات التوليدية المدربة مسبقًا) المتخصصة والمصممة للإجابة عن الأسئلة المتعلقة بفاتورة الضرائب الجديدة المفروضة.
أشارت دراسة رائدة لكيفية استخدام الشباب الكيني النشاطَ الرقمي لخدمة أهدافهم، حيث ذكرت أنه:
"يتم استخدام منصات، مثل Tiktok وX، لمشاركة مقاطع فيديو لأشخاص يشرحون فاتورة المالية باللهجات الكينية المختلفة. كان هناك تمويل جماعي ناجح للغاية من خلال المنصات الرقمية. وقد مكّن هذا المؤيدين من إرسال الأموال مقابل وسائل النقل، مما سمح لمزيد من الناس بالانضمام إلى الاحتجاجات في المنطقة التجارية المركزية في نيروبي."
كما تم اختراق المواقع الحكومية وتعطيل الخدمات الإلكترونية بغية لفت الانتباه إلى قضيتهم، وتسريب المعلومات الشخصية، مثل أرقام هواتف القادة السياسيين، للسماح للمتظاهرين بتوجيه رسائل غير مرغوب فيها إليهم عبر الرسائل النصية القصيرة والواتساب. كما أنشأ النشطاء موقعًا على شبكة الإنترنت يعرض "جدار العار" الذي يدرج أسماء السياسيين الذين يدعمون مشروع قانون المالية.
وقد ساعد ذلك المتظاهرين على زيادة الضغط على البرلمانيين لتغيير موقفهم. ومما برز أيضًا هو كيف أدى النشاط الرقمي إلى دفع الاحتجاجات الجسدية على مستوى البلاد. لقد انتقل الشباب من شاشاتهم إلى الشوارع، مما أجبر القادة على الاستماع وحتى إجراء تعديلات على مشروع قانون المالية قبل إقراره. يوفر النشاط الرقمي منصة قوية لإسماع الأصوات المتنوّعة، وتحفيز التغيير الإيجابي.
يوضح هذا النشاط الرقمي كيف يمكن ترجمة الجهود المبذولة عبر الإنترنت إلى تغييرات ملموسة في العالم الحقيقي. إنه يوضّح قوة وفعالية النشاط الرقمي في تشكيل الخطاب السياسي والسياسة العامة. لقد مكّن من تعبئة الدعم الشعبي بسرعة، وسد الفجوات بين المجموعات المتنوّعة، وجذب الانتباه إلى القضايا الملحّة في الوقت الحقيقي. تظهر الانتفاضة الكينية أن القادة السياسيين يمكن أن يستسلموا للضغوط المتزايدة عبر الإنترنت. لقد أثبتوا أنه حتى التغييرات الطفيفة التي يتم إجراؤها عبر الإنترنت يمكن أن تؤدي إلى نتائج جوهرية ومؤثرة.
- الثالثة: "هو بغباوته"؛ أعني الاستبداد
ارتكب الرئيس وليام روتو، أخطاء فادحة ومتكررة، حيث قلّل من حجم وطبيعة المعارضة التي تشكّلت ضده، ثم أخطأ في تقدير ردّ فعله المناسب على الأحداث المتسارعة.
نشأ أول خطأ في الحكم من جانب الرئيس من الاعتقاد الخاطئ بأن تنفير الطبقة المتوسطة الصغيرة في كينيا لن يترتب عليه عواقب ملموسة تُذكر. بعد أن ورث دولة مثقلة بالديون في عام 2022 من سلفه أوهورو كينياتا، وبعد أن خاض حملته الانتخابية على منصة شعبوية مؤيدة للفقراء، لم يتبقّ له خيار سوى زيادة الضرائب؛ لتجنب التخلف عن السداد المحتوم.
بدا أن العديد من ردود أفعال الرئيس روتو تشبه إلى حد كبير ردود أفعال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك خلال فترة حكمه الطويلة (بدأت في عام 1981) قبل أن تطيح به انتفاضة ميدان التحرير في عام 2011. فمن ناحية، سعى إلى استرضاء المحتجين من خلال تقديم تنازلات يائسة لم تفعل أكثر من إثارة غضب الجماهير وزيادة احتقانهم. ومن ناحية أخرى، رد بقوة وقمع شديدين؛ فقد اختفى ناشطون اجتماعيون بارزون في الساعات التي سبقت بدء احتجاجات الخامس والعشرين من يونيو/حزيران. وفي وقت لاحق، ومع انهيار النظام، أمر روتو الجيش بالتعبئة وتعهد بسحق المحتجين "الخونة". وفي السادس والعشرين من نفس الشهر بدا وكأنه يستسلم تمامًا، فسحب مشروع قانون التمويل المكروه.
الحركة التي بدأت بمعارضة الضرائب المجحفة تطالب الآن باستقالة الرئيس روتو نفسه.
لقد كسر الرئيس الكيني العقد الاجتماعي المتين مع شعبه. لقد ألحقت تصرفات روتو الضرر بالعقد الاجتماعي القائم بين المواطن والدولة. فقد تعاملت الحكومة مع الشعب باعتباره عبئًا ثقيلاً وتهديدًا وجوديًا، خوفًا من اندلاع ثورة وطنية شاملة قد تدفع قادتها إلى ترك مناصبهم الرفيعة.
إن الارتفاع الحاد في أسعار السلع الأساسية، وخاصة الغذاء والوقود، غالبًا ما يؤدي إلى اندلاع الاحتجاجات والاضطرابات الاجتماعية الواسعة النطاق. وقد وثقت العديد من الدراسات الأكاديمية الموثوقة هذا الأمر بشكل قاطع. وفي العالم العربي، تتزايد معاناة الناس في الحصول على الغذاء الكافي، كما أظهرته استطلاعات الرأي العام الحديثة.
إحدى المشاكل المزمنة التي يعاني منها المستبدون والسياسيون الفاشلون – وهو ما يمتلئ به فضاء الحكم العربي – أنهم لا يسمعون صوت شعوبهم ولا ينصتون إليه بتمعن، وإن سمعوه فهو عادة ما يتم متأخرًا جدًا وبعد فوات الأوان.
- الرابعة: وطأة الربا الفاحش على الشعب ودولته
وراء هذه الاضطرابات الدامية التي تشهدها كينيا، يكمن دَين وطني مذهل ومؤلم يرزح تحته كاهل الدولة. كان مشروع القانون الذي تم سحبه يهدف إلى جمع 2.7 مليار دولار أمريكي من الضرائب الجديدة لتقليل عبء ديون البلاد المتراكمة التي تزيد على 80 مليار دولار. وهو جزء لا يتجزأ من تعهد مالي للوفاء بمتطلبات برنامج صندوق النقد الدولي بقيمة 3.6 مليارات دولار المتفق عليه في أبريل/نيسان 2021، بالإضافة إلى قرض آخر بقيمة 1.2 مليار دولار من البنك الدولي تمت الموافقة عليه في مايو/أيار من هذا العام. يذهب نحو 60% من عائدات الضرائب التي تجمعها كينيا إلى خدمة الديون المتراكمة.
إنّ الغضب المتصاعد بين الشباب الكينيين موجّه أيضًا إلى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، حيث يزعمون أنهما يقومان باتخاذ قرارات غير مدروسة تؤدي إلى تفاقم الصعوبات الاقتصادية وخلق نمو أبطأ من المتوسط. يمكن الحديث عن دينامية جديدة في العالم الثالث مع تدهور شروط النيوليبرالية وغياب الظهير التنموي المماثل للاتحاد السوفياتي (إذا ما قورن بدور أكثر محدودية للصين)، وهو ما يعني أن ما هو متاح من أدوات حداثية من ثنايا شبكات الاقتصاد المعولم سيكون الملجأ الأساسي لجيل زد في إحداث انتفاضات اجتماعية ضد نظم تزداد سلطوية؛ بسبب تضاؤل قدرتها على توزيع المزايا لمختلف الفئات الاجتماعيّة.
وهو ما يعني أيضًا تزايد الحدة الثورية للأجيال الجديدة وعسكرة الأنظمة القائمة بشكل ينعكس على المدى البعيد في تشكيل العمران نفسه، كما نرى في بعض الدول لتكون عصيّة على التعبئة الشعبية.
الجذور العميقة وراء هذه الاضطرابات الجماعية كانت تختمر منذ فترة طويلة، فالشباب الكينيون يكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة في بلد حيث البنية التحتية الاقتصادية والمالية تقف ضدهم إلى حد كبير. يرزح كثير من هؤلاء الشباب تحت وطأة القروض الصغيرة المفترسة، وهو بالمناسبة نفس ما يعاني منه قطاع كبير من الشباب العربي. تظهر استطلاعات الرأي الحديثة وقوع الشباب العربي تحت ضغط القروض الشخصية في سن مبكرة.
هذا هو المأزق الحقيقي الذي يواجهه العديد من الكينيين الفقراء، حيث أصبحت القروض الصغيرة من الشركات الخاصة تحظى بشعبية متزايدة في السنوات الأخيرة. وذلك في وقت ترتفع فيه معدلات البطالة بين الشباب لتصل إلى مستويات قياسية بلغت 67 في المائة، وفقًا لبيانات اتحاد أصحاب العمل في كينيا.
تعد هذه القروض طريقة سهلة ولكنها محفوفة بالمخاطر لشراء الدخول التي يمكن استخدامها لتغطية نفقاتهم الضرورية. إن الإحباط المتراكم من هذا النظام المالي، بما في ذلك القروض الصغيرة المفترسة، هو ما يدفع الشباب – الذين تأثروا بشدة بارتفاع تكلفة المعيشة منذ جائحة كوفيد-19 – إلى النزول إلى الشوارع للتعبير عن غضبهم. في المنطقة العربية غير النفطية، وفي جميع أنحاء الجنوب العالمي، فإن الطريق إلى تحقيق الأمن الاقتصادي المنشود مليء بفخاخ الإقراض المتعددة.
لقد تحولت هذه الممارسات المشينة إلى عمليات نهب وسلب ممنهجة. عندما أصبحت القروض الصغيرة شائعة لأول مرة في التسعينيات، كانت الفكرة الأساسية هي إقراض مبالغ صغيرة من المال بأسعار فائدة منخفضة. ولكن في هذه الأيام، فإن معظم القروض الصغيرة التي يمكن الوصول إليها على نطاق واسع تأخذ شكل قروض قصيرة الأجل وعالية الفائدة من مقرضي التكنولوجيا المالية الخاصة.
- الخامسة: التأييد الدولي لن يغني عنك من شعبك شيئًا
ينظر إلى كينيا عمومًا باعتبارها دولة مستقرة ومزدهرة وليبرالية إلى حد معقول، ولكن مثل هذه الافتراضات المريحة هزتها بعنف هذه الانتفاضة الشعبية العارمة ضد الضرائب المجحفة.
إن حلفاء الرئيس روتو الغربيين يلعبون دورًا مهمًا بشكل خاص في هذا الصدد. ففي الأشهر الأخيرة، بنى الشركاء الغربيون، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، شراكة قوية بشكل متزايد مع نيروبي، الحليف القوي للغرب في وقت تتصاعد فيه جهود جهات جيوسياسية أخرى مثل روسيا والصين في أفريقيا.
في شهر مايو/أيار من العام الجاري، استضاف الرئيس الأميركي جو بايدن الرئيس روتو في زيارة دولة رسمية، وهي الأولى من نوعها لزعيم أفريقي منذ عام 2008. وفي الرابع والعشرين من يونيو/حزيران، صنفت الولايات المتحدة الأمريكية كينيا رسميًا كحليف رئيسي غير عضو في حلف شمال الأطلسي، بما ينبئ بتعاون أمني أوثق في المستقبل القريب. ومن جانبه، منح الاتحاد الأوروبي كينيا 20 مليون يورو لدعم قطاع الأمن من صندوق السلام الأوروبي.
إنّ الانتفاض الشعبي المتصاعد في كينيا يسلط الضوء أيضًا على الآثار السلبية للنظام المالي الدولي الفاشل الذي يعمل على ترسيخ عدم المساواة، مما يجبر الحكومات على الوفاء بالالتزامات الباهظة لدائنيها؛ في حين تتخلف عن سداد التزاماتها الأساسية تجاه شعوبها المقهورة.
عندما تواجه الحكومات ضغوطًا اقتصادية خانقة تدفعها إلى تبني سياسات لا يستطيع الناس تحملها، فإن المواطنين سيضطرون إلى النزول إلى الشوارع للاحتجاج بشكل سلمي على المصاعب المتزايدة التي يواجهونها في حياتهم اليومية.